في خضم التنافس المتسارع بين شركات التكنولوجيا العالمية لتطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي، تسعى شركة "ميتا بلاتفورمز"، المالكة لمنصة التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، إلى إطلاق محرك بحث خاص بها مدمج بتقنيات الذكاء الاصطناعي لتقديم معلومات شاملة عن الأحداث الجارية. وتأتي هذه الخطوة في إطار محاولة الشركة مجاراة تطور الذكاء الاصطناعي الذي تقوده شركات كبرى مثل "أوبن إيه آي"، المعروفة بنظام المحادثة الذكي ChatGPT، الذي أحدث ثورة في أسلوب تقديم المعلومات والاستجابة لمتطلبات المستخدمين.
ذكرت وكالة "بلومبرج" عن مصدر مطلع أن ميتا تأمل من خلال تطوير محرك البحث الجديد هذا إلى تقليل اعتمادها الحالي على محركات البحث العالمية مثل "جوجل" و"بينج"، حيث توفر هذه المحركات المعلومات المتعلقة بالأخبار والرياضة وأسعار الأسهم للمستخدمين الذين يتفاعلون مع منصة الذكاء الاصطناعي "ميتا إيه.آي". الخطوة التي تقوم بها ميتا تعكس رغبة مارك زوكربيرج، الرئيس التنفيذي للشركة، في الحد من اعتمادها على شركات التكنولوجيا الأخرى، خاصة تلك التي تُعتبر منافسة رئيسية في السوق مثل "جوجل" و"مايكروسوفت".
تطمح ميتا إلى أن يكون محرك البحث الجديد بمثابة خيار بديل واحتياطي، بحيث يمكن الاعتماد عليه كليا في حال انسحاب "جوجل" أو "مايكروسوفت" من الاتفاقيات القائمة التي تسمح لميتا بالاستفادة من محركات البحث الخاصة بهما. ويعكس هذا الجهد الحثيث حجم الاستثمارات التي تُقدمها ميتا لدفع عجلة الابتكار في تقنيات الذكاء الاصطناعي؛ إذ تسعى لتوفير قدرات بحثية تتيح للمستخدمين الوصول إلى معلومات متعددة من مصدر واحد.
تحقيق هذا المستوى من الاستقلالية هو جزء من استراتيجية طويلة الأمد لزوكربيرج، الذي أبدى استياءه سابقًا من اعتماد ميتا على شركات أخرى. ومن أهم تلك الحالات كانت الاعتماد على "أبل"، التي فرضت قيودًا صارمة على تطبيقات الهواتف الذكية وخاصة فيما يتعلق بإيرادات الإعلانات، مما أثر سلبًا على عائدات ميتا المالية من تطبيقات الهواتف الذكية المستخدمة على أجهزة "آيفون". ففي عام 2021، قررت "أبل" تقييد إمكانية جمع بيانات المستخدمين عبر تحديثات سياسة الخصوصية، مما أثر على استراتيجية الإعلانات الرقمية التي تتبعها ميتا والتي تعتمد بشكل كبير على بيانات المستخدمين لاستهدافهم بإعلانات مخصصة.
في ضوء هذه الأحداث، تسعى ميتا إلى الابتعاد عن الاعتماد الكامل على الشركات الأخرى من خلال تطوير بنية تحتية تقنية متكاملة داخلية تدعم خدمات الذكاء الاصطناعي. لا ينحصر هذا الاهتمام في محرك البحث فحسب، بل يشمل أيضًا توسيع آفاق استخدامات الذكاء الاصطناعي في إدارة وتحليل البيانات والارتقاء بالتفاعل مع المستخدمين من خلال تجربة فريدة لا تعتمد فقط على شبكات التواصل الاجتماعي، بل تتجاوزها إلى تلبية احتياجات المستخدمين المتعلقة بالأخبار، والتسلية، وحتى التسوق الإلكتروني.
يرى محللون أن خطوة ميتا هذه ليست فقط للحد من تبعيتها لشركات التكنولوجيا الأخرى، بل لخلق نظام بيئي متكامل يجعل المستخدمين يقضون وقتًا أطول على منصاتها الرقمية، مما يفتح الباب أمام زيادة العائدات عبر توسيع سوق الإعلانات وتقديم الخدمات الرقمية المختلفة. يُنظر إلى التحديثات المتوقعة في الذكاء الاصطناعي المدمج على منصة ميتا كخطوة جريئة نحو مستقبل تتحكم فيه الشركات بشكل أكبر في طريقة تقديم المعلومات واستيعابها ضمن منصاتها الخاصة.
بالتأكيد، فإن خطوة تطوير محرك البحث قد تضع ميتا في منافسة مباشرة مع "جوجل" و"مايكروسوفت"، إلا أنها قد تجعل الشركة أقل عرضة للتأثر بالتغيرات الاستراتيجية لدى هذه الشركات. إضافةً إلى ذلك، من المتوقع أن تلعب منصة "ميتا إيه.آي" دورًا رئيسيًا في تلبية حاجات المستخدمين في البحث والوصول السريع إلى المعلومات الموثوقة، مما قد يُحدث تحولًا كبيرًا في تفاعل المستخدمين مع منصة فيسبوك ومشتقاتها في المستقبل القريب.
يتوقع خبراء التكنولوجيا أن استثمارات ميتا في الذكاء الاصطناعي ستساعدها في إنشاء بنية رقمية مبتكرة يمكنها تقديم مجموعة واسعة من المعلومات والخدمات في بيئة أكثر تحكمًا. ويبدو أن ميتا على استعداد لمواجهة التحديات المتعلقة بتطوير تقنية محرك البحث والمحتوى، مع الأخذ في الاعتبار الاهتمام المتزايد من المستخدمين للتوجه نحو أدوات الذكاء الاصطناعي التي تتيح لهم الوصول إلى المعلومات والتفاعل بطرق مبتكرة وسريعة.
في المحصلة، خطوة ميتا تأتي استجابةً للضغوط المتزايدة لتقديم تجربة أكثر شمولاً للمستخدمين ولتعزيز استقلاليتها التقنية، وذلك من خلال استثمارها في حلول مبتكرة تضمن لها مساحة منافسة فعالة ومستدامة في سوق الذكاء الاصطناعي المتنامي.
0 تعليقات